
محمد نوري الفتيّح ( 1881 – 1957 ) هو سياسي سوري بارز وُلد في مدينة دير الزور لعائلة بدوية عريقة تعود أصولها إلى عشيرة العرفا من قبيلة عنزة، كبرى قبائل الجزيرة العربية. والده هو الحاج عبد الفتاح الكرنوص، أحد وجهاء دير الزور المعروفين. تلقّى محمد نوري تعليمه في مدرسة الرشدية، ثم تابع دراسته العليا في القانون في إسطنبول. بعد عودته إلى مسقط رأسه، بدأ مسيرته الوطنية والسياسية المبكرة التي استمرت طيلة الحقبات الحاسمة من تاريخ سوريا، من العهد العثماني إلى الاستقلال .
برز في سن مبكرة في الحياة العامة، فعُيّن عضواً في مجلس المعارف وهو لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره، وتسلّم لاحقًا مناصب في القضاء والإدارة، منها وكيل قائمقامية البوكمال ورأس العين، وعضوية المجلس العمومي لإدارة متصرفية دير الزور. تدرّج في السلك القضائي حتى أصبح مدعيا عاما لمحكمتي الحقوق والجزاء، وهو المنصب الأعلى آنذاك .
عام 1912 ، انتُخب نائبا عن دير الزور في مجلس المبعوثان العثماني، وأعاد انتخابه عام 1914 ، حيث شارك في تقديم عريضة احتجاج ضد تنازل الدولة العثمانية عن برقة وطرابلس لإيطاليا. ارتبط بعلاقات وثيقة مع شخصيات عربية بارزة مثل الأمير فيصل بن الحسين، وشارك في الجهود التحريرية التي تبلورت قبيل نهاية العهد العثماني .
بعد انسحاب القوات العثمانية، ساهم في تأسيس الحكومة الأهلية في دير الزور عام 1918 ، وكان له دور بارز في تثبيت الأمن المحلي ووضع قوانينها بالتعاون مع شخصيات وطنية مثل حسن محمد الجاسم وفنوش العبود.
كما شارك في المجلس الأهلي، ثم في مجلس الشورى الذي أسسه رمضان باشا شلاش عقب طرد الإنجليز عام 1919 . قاد وفد الفرات إلى دمشق لتهنئة فيصل بن الحسين بتتويجه ملكا على سوريا، وشارك في المؤتمر السوري الفيصلِي عام 1920. مع بداية العهد الفرنسي، استمر الفتيّح في النضال الوطني، فشغل عدة مناصب إدارية وقضائية، منها قائمقامية الميادين والبوكمال، وعضوية محكمة الجنايات. كما شغل رئاسة بلدية دير الزور، وانتُخب رئيسا للمجلس النيابي المحلي، حيث قاد موقفا تاريخيا ضد مخطط فرنسا لتقسيم سوريا، ما أدى إلى إنهاء مشروع إقامة “دولة الجزيرة والفرات “.
حصل الفتيّح على وسام الشرف السوري من الدرجة الثانية عام 1927 ، وتابع تنفيذ مشاريع خدمية في دير الزور، مثل إنشاء شبكة مياه الشرب والمسلخ البلدي. انتُخب نائبا في المجلس النيابي السوري عام 1932 ، ثم نائبا لرئيس المجلس.
في 1933 ، كان من بين النواب الذين انسحبوا احتجاجا على المعاهدة الفرنسية، وأسهم في تأسيس الكتل الوطنية وترأس فرعها في منطقة الفرات .
عانى من إجراءات الاحتلال الفرنسي، حيث عُزل من رئاسة البلدية بسبب مواقفه الوطنية. وفي عام 1936 ، انتُخب نائبا لرئيس المجلس النيابي الجديد الذي صادق على معاهدة الاستقلال. شارك في ثورة 1936 ، وكان عضواً في اللجنة التشريعية واللجنة السياسية لمؤتمر بلودان من أجل فلسطين. كما أعيد انتخابه رئيسا لبلدية دير الزور بين 1941 و 1944 ، وكان من مؤسسي قيادة الحركة الوطنية في المدينة .